نصائح "التنمية البشرية"- ملح الطعام أم تجارة الخرافات؟
المؤلف: ريهام زامكه08.28.2025

يا رفاق، يقول المثل الشعبي "النصيحة بجمل"، وأنا شخصياً لا أمانع مطلقاً أن يأتيني ذلك الجمل، لكن شرطي الوحيد هو أن يكون هذا الجمل بصحة جيدة، لا يحمل في داخله أياً من مشاعر الحقد أو يعاني من أي تعقيدات نفسية، وأن يكون ثمنه معقولاً ومناسباً لقيمته.
أنا شخصياً من أولئك الذين لا يفضلون الاستماع إلى النصائح بشكل عام، ولكن إذا كان لا مفر من ذلك، فقد أستقبل النصيحة من شخص قريب وعزيز على قلبي، وأن تكون تلك النصيحة مقدمة لي كهدية قيمة، مغلفة بورق براق، ومرفقة بباقة ورد ذات ألوان زاهية، وابتسامة لطيفة، حتى وإن كانت باهتة بعض الشيء.
على سبيل المثال لا الحصر، نشاهد في عالم وسائل التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم لقب "مدربي التنمية البشرية"، حتى وإن كان بعضهم غير قادر على كتابة جملتين متتاليتين بشكل سليم دون الوقوع في أخطاء لغوية ونحوية فادحة!
ثم يقوم هؤلاء "المدربون" بإعطاء الآخرين نصائح من قبيل: "لا تستسلم أبداً، انهض من جديد، قاوم بكل قوتك، وستنجح في نهاية المطاف"، بينما هو نفسه شخص فاشل تماماً، يكتب تلك الكلمات الرنانة وهو مستلقٍ على فراشه المريح، ومن داخل منزله الذي يعاني من تفكك أسري واضح، وفي حالة يرثى لها من اليأس والإحباط، وتكون حاجته الفعلية هي الحصول على دورة تدريبية لتعليمه كيفية التعامل مع صعاب الحياة اليومية بعيداً عن الدراما المبالغ فيها والفلسفة غير المنطقية.
فهو بالتأكيد ممن ينطبق عليهم المثل القائل: "فاقد الشيء يتفلسف فيه ويتحدث عنه بإسهاب".
والأمر الأكثر غرابة وإثارة للدهشة هو أن من يقدم لك النصيحة لا يطبق ولو جزءاً ضئيلاً جداً من كلامه الذي ينصحك به، وفوق كل ذلك، يكتب تعريفاً موجزاً لنفسه بأنه "شخص ملهم ومحفز، ومدرب تنمية بشرية ناجح ومتميز".
ومن المؤسف حقاً أن يحدثك هذا الشخص عن النجاح وهو بعيد كل البعد عن مساره، وعن الاستقلالية المالية وهو غارق في الديون حتى أذنيه، وعن النشاط والحيوية وهو بالكاد يستطيع الاستيقاظ قبل غروب الشمس، وعن الأمل والتفاؤل وهو متشائم ومحبط طوال الوقت، ثم ينصحك بكل ثقة بأن تطرد الطاقة السلبية من داخلك بينما هو نفسه يعيش حالة دائمة من القلق والاضطراب النفسي الحاد!
ويقول لك بكل جرأة: "اتخذ قرارك بنفسك ولا تتردد"، بينما هو نفسه إذا دخل إلى أحد المقاهي الفاخرة يصاب بحيرة شديدة ولا يستطيع أن يقرر ما إذا كان سيطلب "كابتشينو أو لاتيه".
أنا في هذا المقال لست بصدد أن أنصحكم بعدم الاستماع إلى النصائح بشكل قاطع، بل على العكس تماماً، فالنصيحة تشبه إلى حد كبير "الملح" في الطعام، لا بد لنا من تذوقها وتقييمها، ولكن يجب أن يكون لي الحق الكامل في أن أحدد بنفسي ما إذا كنت سأضيف الملح إلى (حسائي) أم لا، وذلك دون تدخل أو تطفل من أحد فيما أريد.
فالتنمية البشرية في جوهرها هي عبارة عن مجموعة متكاملة من المناهج والأساليب والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتعزيز قدرات الإنسان المختلفة، سواء كانت ذهنية أو نفسية أو سلوكية أو عملية، ولكن البعض للأسف الشديد اتخذها (كمهنة تجارية) بحتة لتحقيق مكاسب مادية سريعة!
فبعض الدورات التدريبية في مجال التنمية البشرية مليئة (بالخرافات والأوهام)، وأهمها ما يسمى بـ "قانون الجذب" الذي يوهمون الناس من خلاله بأن كل ما يتمنونه بشدة سوف يتحقق لهم بطريقة سحرية، مثل إحدى السيدات اللاتي أعرفهن جيداً والتي تؤمن بمثل هذه الخزعبلات والأوهام، حيث قالت لي في إحدى الليالي (ليلة رأس سنة):
"اكتبي جميع أهدافك وطموحاتك، وضعيها تحت وسادتك قبل النوم، وثقي بأن الكون بأكمله سيبدأ في العمل على تحقيقها لك"، وقد أخذت بنصيحتها ونمت، وفي الصباح استيقظت ووجدت الوسادة ملقاة على الأرض، والكون بأكمله يغط في نوم عميق وكأنه لم يسمع بها من قبل.
وبشكل عام، وحرصاً مني على وقتكم الثمين الذي يجب أن تستثمروه بشكل صحيح كما يقول خبراء التنمية البشرية والتطوير الذاتي والإلهام، أود أن أقول لكم بكل صدق: اقرؤوا هذا المقال مرتين على الأقل بتأنٍ وتمعن، وبعدها إذا أراد أحد منكم أن يسدي لي نصيحة قيمة، فليتفضل بإرسال باقة ورد جميلة ومنعشة مع نصيحته، ومرفقاً بها فنجان "قهوة مُرة" مكتوب عليه اسمي بخط واضح، حتى أتمكن من التسمية بالله وشربها مع كلامه الذي لن يسمن ولن يغني من جوع.
وقبل أن أودعكم، سأقدم لكم نصيحة خالصة لوجه الله تعالى؛ في خضم العتمة والظلام الدامس، سوف تجدون دائماً بصيصاً من النور، ببساطة قوموا بإطفائه واستسلموا للنوم العميق.
أنا شخصياً من أولئك الذين لا يفضلون الاستماع إلى النصائح بشكل عام، ولكن إذا كان لا مفر من ذلك، فقد أستقبل النصيحة من شخص قريب وعزيز على قلبي، وأن تكون تلك النصيحة مقدمة لي كهدية قيمة، مغلفة بورق براق، ومرفقة بباقة ورد ذات ألوان زاهية، وابتسامة لطيفة، حتى وإن كانت باهتة بعض الشيء.
على سبيل المثال لا الحصر، نشاهد في عالم وسائل التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم لقب "مدربي التنمية البشرية"، حتى وإن كان بعضهم غير قادر على كتابة جملتين متتاليتين بشكل سليم دون الوقوع في أخطاء لغوية ونحوية فادحة!
ثم يقوم هؤلاء "المدربون" بإعطاء الآخرين نصائح من قبيل: "لا تستسلم أبداً، انهض من جديد، قاوم بكل قوتك، وستنجح في نهاية المطاف"، بينما هو نفسه شخص فاشل تماماً، يكتب تلك الكلمات الرنانة وهو مستلقٍ على فراشه المريح، ومن داخل منزله الذي يعاني من تفكك أسري واضح، وفي حالة يرثى لها من اليأس والإحباط، وتكون حاجته الفعلية هي الحصول على دورة تدريبية لتعليمه كيفية التعامل مع صعاب الحياة اليومية بعيداً عن الدراما المبالغ فيها والفلسفة غير المنطقية.
فهو بالتأكيد ممن ينطبق عليهم المثل القائل: "فاقد الشيء يتفلسف فيه ويتحدث عنه بإسهاب".
والأمر الأكثر غرابة وإثارة للدهشة هو أن من يقدم لك النصيحة لا يطبق ولو جزءاً ضئيلاً جداً من كلامه الذي ينصحك به، وفوق كل ذلك، يكتب تعريفاً موجزاً لنفسه بأنه "شخص ملهم ومحفز، ومدرب تنمية بشرية ناجح ومتميز".
ومن المؤسف حقاً أن يحدثك هذا الشخص عن النجاح وهو بعيد كل البعد عن مساره، وعن الاستقلالية المالية وهو غارق في الديون حتى أذنيه، وعن النشاط والحيوية وهو بالكاد يستطيع الاستيقاظ قبل غروب الشمس، وعن الأمل والتفاؤل وهو متشائم ومحبط طوال الوقت، ثم ينصحك بكل ثقة بأن تطرد الطاقة السلبية من داخلك بينما هو نفسه يعيش حالة دائمة من القلق والاضطراب النفسي الحاد!
ويقول لك بكل جرأة: "اتخذ قرارك بنفسك ولا تتردد"، بينما هو نفسه إذا دخل إلى أحد المقاهي الفاخرة يصاب بحيرة شديدة ولا يستطيع أن يقرر ما إذا كان سيطلب "كابتشينو أو لاتيه".
أنا في هذا المقال لست بصدد أن أنصحكم بعدم الاستماع إلى النصائح بشكل قاطع، بل على العكس تماماً، فالنصيحة تشبه إلى حد كبير "الملح" في الطعام، لا بد لنا من تذوقها وتقييمها، ولكن يجب أن يكون لي الحق الكامل في أن أحدد بنفسي ما إذا كنت سأضيف الملح إلى (حسائي) أم لا، وذلك دون تدخل أو تطفل من أحد فيما أريد.
فالتنمية البشرية في جوهرها هي عبارة عن مجموعة متكاملة من المناهج والأساليب والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتعزيز قدرات الإنسان المختلفة، سواء كانت ذهنية أو نفسية أو سلوكية أو عملية، ولكن البعض للأسف الشديد اتخذها (كمهنة تجارية) بحتة لتحقيق مكاسب مادية سريعة!
فبعض الدورات التدريبية في مجال التنمية البشرية مليئة (بالخرافات والأوهام)، وأهمها ما يسمى بـ "قانون الجذب" الذي يوهمون الناس من خلاله بأن كل ما يتمنونه بشدة سوف يتحقق لهم بطريقة سحرية، مثل إحدى السيدات اللاتي أعرفهن جيداً والتي تؤمن بمثل هذه الخزعبلات والأوهام، حيث قالت لي في إحدى الليالي (ليلة رأس سنة):
"اكتبي جميع أهدافك وطموحاتك، وضعيها تحت وسادتك قبل النوم، وثقي بأن الكون بأكمله سيبدأ في العمل على تحقيقها لك"، وقد أخذت بنصيحتها ونمت، وفي الصباح استيقظت ووجدت الوسادة ملقاة على الأرض، والكون بأكمله يغط في نوم عميق وكأنه لم يسمع بها من قبل.
وبشكل عام، وحرصاً مني على وقتكم الثمين الذي يجب أن تستثمروه بشكل صحيح كما يقول خبراء التنمية البشرية والتطوير الذاتي والإلهام، أود أن أقول لكم بكل صدق: اقرؤوا هذا المقال مرتين على الأقل بتأنٍ وتمعن، وبعدها إذا أراد أحد منكم أن يسدي لي نصيحة قيمة، فليتفضل بإرسال باقة ورد جميلة ومنعشة مع نصيحته، ومرفقاً بها فنجان "قهوة مُرة" مكتوب عليه اسمي بخط واضح، حتى أتمكن من التسمية بالله وشربها مع كلامه الذي لن يسمن ولن يغني من جوع.
وقبل أن أودعكم، سأقدم لكم نصيحة خالصة لوجه الله تعالى؛ في خضم العتمة والظلام الدامس، سوف تجدون دائماً بصيصاً من النور، ببساطة قوموا بإطفائه واستسلموا للنوم العميق.